صحافة تونس.. بين مكاسب ثورة الياسمين وخسائر التحولات السياسية

في يومها العالمي

صحافة تونس.. بين مكاسب ثورة الياسمين وخسائر التحولات السياسية

لم تمر سوى بضعة أشهر على ثورة الياسمين في 2011، حتى برزت تحديات جديدة أمام الصحافة التونسية التي انتقلت من خدمة النظام إلى خدمة السياسيين أو رجال الأعمال.

وتحتفل الأمم المتحدة، باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو من كل عام، لتسليط الضوء على التحديات المتصلة بوسائل الإعلام والتهديدات التي تقوض ثقة الجمهور نتيجة الرقابة والهجمات على الصحفيين.

ورغم تقدم تونس في ترتيب الدول العربية بحسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2022، حيث احتلت المرتبة الـ94 في تصنيف حرية الصحافة في العالم، بعد أن كانت في المرتبة الـ162 عام 2009، فإن المخاوف من تراجع مستوى الحريات الإعلامية لا يزال حاضرا في المشهد التونسي.

تخلصت تونس عقب ثورة 2011 من خضوع قطاع الإعلام لوزارة الاتصال (وزارة الإعلام)، والوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي تأسست سنة 1990 وكانت جهاز دعاية لنظام بن علي في الخارج، كما تمّ أيضا إنهاء خضوع القطاع إلى "مجلة الصحافة" المقيِّدة للحريات والاستقلالية.

وعقب الثورة تم إصدار المرسوم رقم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمرسوم رقم 116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري، وباستحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، وذلك تماشياً مع مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

كما نص دستور 2014 في الفصل الـ31 على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، ولا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات"، إضافة إلى الفصل الـ32 والذي نص على أن "الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة، كما تسعى إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال".

ونص أيضا الفصل الـ127 على أن "تتولى هيئة الاتصال السمعي البصري تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري وتطويره، وتسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام، وعلى ضمان إعلامٍ تعدديٍ نزيه".

ويعتبر مراقبون أن أحد المكاسب الفارقة في الصحافة التونسية تمثلت في القانون 22 لسنة 2016، والمتعلق بـ"الحق في النفاذ إلى المعلومة" والذي يعتبر ذا أهمية كبيرة للصحفيين، إذ يضمن "الحصول على المعلومة، وتعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة، خاصة في ما يتعلق بالتصرف في المرفق العام، ودعم مشاركة العموم في وضع السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها وتقييمها".

ورغم وردية المشهد التونسي بشأن الحريات الإعلامية، فإن العديد من المراقبين يؤكدون أن تلك التشريعات والاتفاقيات لا تزال غير مفعّلة أو منقوصة أو غائبة تماماً في بعض الأحيان.

يأتي ذلك لعدة أسباب أبرزها أن قانون النفاذ إلى المعلومة يتضمن استثناءات تتعلق بقضايا الإرهاب والأمن القومي، إلى جانب أن إجراءات الحصول على المعلومات معقدة وبطيئة، وفي الكثير من الأحيان تمتنع الجهات المعنية عن توفير المعلومة، فضلا عن الفراغ التشريعي الخاص بالصحافة الإلكترونية وغيرها.

قيود وتجاوزات

بدورها، قالت الصحفية التونسية نجلاء بن صالح، إن الصحفيين في بلادها نالوا قسطاً كبيراً من الحرية بعد ثورة الربيع العربي في عام 2011، ما ظهر جلياً في احتلال تونس المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية في حرية التعبير والصحافة وفقاً لتقرير منظمة "مراسلون بلا حدود".

وأضافت بن صالح لـ"جسور بوست": عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي، حظت الصحافة التونسية بهامش كبير من حرية التعبير، إلا أن الأمر بدأ في الانسحاب التدريجي خاصة بعد التوقيع على المرسوم المعروف باسم "العدد 54"، والذي يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.

وأوضحت أن هذا المرسوم لاقى عددا كبيرا من الانتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والإعلاميين، لا سيما بعد تنامي المخاوف من قمعٍ شديد لحرية الرأي والتعبير في البلاد.

وتابعت: "لم تسلم فصول المرسوم الـ38، من الانتقادات بسبب ما وصفه نشطاء حقوق الرأي بأنه يعتبر تضييقاً على حرية التعبير، لما يحتويه من عقوبات مجحفة ضد مرتكبي جرائم النشر التي نص عليها القانون". 

ومؤخرا شهدت تونس توسعا في حملة توقيف شخصيات سياسية وصحفيين، أبرزهم مدير إذاعة "موزاييك" الخاصة، نور الدين بوطار، الذي أثار استجوابه من قبل الأمن عن الخط التحريري للإذاعة انتقادات محلية ودولية واسعة.

تلك المتغيرات دفعت عشرات الصحفيين والسياسيين والحقوقيين إلى التظاهر للتنديد بسياسة الحكومة التي وصفوها بـ"القمعية والاستبدادية" في محاولة لترويع وسائل الإعلام الخاصة والحكومية وقمع الحريات.

وفي اليوم العالمي للصحافة لعام 2022، أصدرت نقابة الصحفيين التونسية بيانا بعنوان "حرية الصحافة تواجه الخطر الداهم" لتحمل مسؤولية تراجع الحريات في البلاد إلى الرئيس التونسي قيس سعيد. 

ورصد البيان عدة مؤشرات سلبية أبرزها تراجع حرية الصحافة وارتفاع وتيرة الانتهاكات ضد الصحفيين والمحاكمات القضائية والتوقيفات الأمنية، ومواصلة إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري والتعتيم على المعلومات وانتهاك حق المواطنين في تداول البيانات الرسمية.

وكشفت تقارير حقوقية محلية أن الفترة الممتدة بين إبريل 2021 وإبريل 2022، تم رصد 274 حالة تعرض فيها الصحفيون إلى أشكال مختلفة من التضييق، والتي تراوحت بين احتجاز تعسفي والاعتداءات الجسدية واللفظية والتحريض على العنف وغيرها.

ورغم أن القانون التونسي يضمن للصحفيين الحق في حماية مصادرهم، لكنه يجبرهم على الإفصاح إذا ما تعلق ذلك بقضايا الإرهاب والأمن القومي، الأمر الذي اعتبره المراقبون ذريعة تستخدمها السلطات للضغط على الصحفيين وتقييد المجال العام.

ومنذ 25 يوليو 2021، تشهد تونس أزمة سياسية ممتدة بين الرئيس قيس سعيد ومجلس النواب، ترتب عليها إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية